قال أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته المشهورة في المعــــــلم :
قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجــيـلا ***** كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي ***** يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـلّمٍ ***** علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ ***** وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
وطبعتَـهُ بِيَدِ المعلمِ ، تـارةً ***** صديء الحديدِ ، وتارةً مصقولا
أرسلتَ بالتوراةِ موسى مُرشداً ***** وابنَ البتـولِ فعلَّمَ الإنجيـلا
وفجرتَ ينبوعَ البيانِ محمداً ***** فسقى الحديثَ وناولَ التنزيلا
علَّمْـتَ يوناناًومصر فزالتا ***** عن كلّ شـمسٍ ما تريد أفولا
واليوم أصبحنـابحالِ طفولـةٍ ***** في العِلْمِ تلتمسانه تطفيـلا
من مشرقِ الأرضِ الشموسُ تظاهرتْ ***** ما بالُ مغربها عليه أُدِيـلا
يا أرضُ مذ فقدَ المعـلّـمُ نفسَه ***** بين الشموسِ وبين شرقك حِيلا
ذهبَ الذينَ حموا حقيقـةَ عِلمهم ***** واستعذبوا فيها العذاب وبيلا
في عالَـمٍ صحبَ الحـيـاةَ مُقيّداً ***** بالفردِ ، مخزوماً بـه ، مغلولا
صرعتْهُ دنيـا المستبدّ كما هوَتْ ***** من ضربةِ الشمس الرؤوس ذهولا
سقراط أعطى الكأس وهي منيّةٌ ***** شفتي مُحِبٍّ يشتهي التقبيـلا
عرضوا الحياةَ عليه وهي غباوة ***** فأبى وآثَرَ أن يَمُوتَ نبيـلا
إنَّ الشجاعةَ في القلـوبِ كثيرةٌ ***** ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا
إنَّ الذي خلقَ الحقيقـةَ علقماً ***** لم يُخـلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلا
ولربّما قتلَ الغـرامُ رجالَـها ***** قُتِلَ الغرامُ ، كم استباحَ قتيلا
أوَ كلُّ من حامى عن الحقِّ اقتنى ***** عندَ السَّـوادِ ضغائناً وذخولا
لو كنتُ أعتقدُ الصـليـبَ وخطبَهُ ***** لأقمتُ من صَلْبِ المسيحِ دليلا
أمعلّمي الوادي وساسـة نشئـهِ ***** والطابعين شبابَـه المأمـولا
والحامليـنَ إذا دُعـوا ليعلِّمـوا ***** عبءَ الأمانـةِ فادحـاً مسؤولا
وَنِيَتْ خُطـَى التعليمِ بعـد محمّدٍ ***** ومشى الهوينا بعد إسماعيـلا
كانت لنا قَدَمٌ إليـهِ خــفيفـةٌ ***** ورَمَتْ بدنلوبٍ فكان الفيـلا
حتّى رأينا مصـر تخطوإصبعاً ***** في العِلْمِ إنْ مشت الممالكُ ميلا
تلك الكفـورُ وحشوها أميّةٌ ***** من عهدِ خوفو لم تَرَ القنديـلا
تجدُ الذين بـنى المسلّةَ جدُّهم ***** لا يُحســـــنونَ لإبرةٍ تشكيلا
ويُدَلّـلون َ إذا أُريـدَ قـِيادُهـم ***** كالبُهْمِ تأنسُ إذ ترى التدليلا
يتلـو الرجـالُ عليهمُ شـهواتـهم ***** فالناجحون أَلَذُّهـــــــم ترتيـلا
الجهـلُ لا تحيـا عليـهِ جـماعـةٌ ***** كيفَ الحياةُ على يديّ عزريلا
واللـهِ لـولا ألسـنٌ وقرائــــــحٌ ***** دارتْ على فطنِ الشبابِ شمـولا
وتعهّـدتْ من أربعيـن نفوسهم ***** تغزو القنـوط وتغـرسُ التأميلا
عرفتْ مواضعَ جدبـهم فتتابعـتْ ***** كالعيـنِ فَيْضَـاً والغمامِ مسيلا
تُسدي الجميلَ إلى البلادِ وتستحي ***** من أن تُكافـأَ بالثنـاءِ جميـلا
ما كـانَ دنلـوبٌ ولا تعليمـه ***** عند الشدائـدِ يُغنيــانِ فتيـلا
ربُّوا على الإنصافِ فتيانَ الحِمـى ***** تجدوهمُ كهفَ الحقوقِ كُهـولا
فهوَ الـذي يبني الطـبـاعَ قـويمةً ***** وهوَ الذي يبني النفوسَ عُـدولا
ويقيم منطقَ كلّ أعـوج منطـقٍ ***** ويريه رأياً في الأمـورِ أصيـلا